الاثنين، 17 أكتوبر 2011

دار الأزياء العراقية .. قصة ابداع

 دار الأزياء العراقية .. قصة ابداع
حنين سعد
ليس غريباً أن تتوافق قصة دار الأزياء العراقية مع قصة هذه الأرض التي جمع فيها التاريخ كل أزمانه وكل رجاله وكل نسائه، وجعل فيها ضدين ما اجتمعا في أرض غيرها الربيع الخريف.. الحياة الموت، ولهذا جاءت قصة الإبداع في دار الأزياء العراقية لتجمع كل الأضداد والمتشابهات منذ تأسيسها منذ عام 1970 وحتي الآن.
وتعد دار الأزياء العراقية احدي من قصص الإبداع التي جال فيها التاريخ فأعطاها بعضاً من عنفوانه وقليلاً من أفراحه وكثيراً من أحزانه، فقام فيها الملوك والغزاة، الخلفاء والثوار، الشعراء والصعاليك، العلماء والجهلاء... قصة أبداع جمعت كل ألوان البشر ومعتقداتهم.. فكانت دار الأزياء العراقية قصة أرض الأضداد.
لقد ظلت هذه المؤسسة الثقافية الفنية تعمل مستندة الي الفهم الواعي لدور الفن في إخراج النفائس والروائع الحضارية من متاحفها وخزاناتها الي العالم بأسلوب مبتكر في إبداع الأزياء التي تستوحيها وتنقل رسالتها الفنية والثقافية ذات الطابع الإنساني إلي كل النفوس وتركز علي أهمية الانتماء الأصيل للقيم الوطنية والقومية، حيث عملت الدار علي توثيق تاريخ العراق من خلال أزيائها، فكل زي يأخذك الي وطن الأحلام والأساطير.. وطن الفلسفة والعلم والأدب.. وطن إبراهيم الخليل أبو الأنبياء مثلما هو وطن أبو الجبابرة كلكامش.. الوطن الذي كتب للبشرية الحرف الأول من التاريخ، واخترع العجلة التي كانت عنواناً لكل ما تقدم في مجال المواصلات، وصنع للبشرية أول آلة موسيقية في العالم، تلك هي القيثارة.. وطن حمورابي مشرع أول قانون علي الأرض.
فكانت الأزياء المقدمة مستوحاة من حضارات وادي الرافدين وفق التسلسل الزمني لتلك الحضارات وهي (أزياء مستوحاة من الحضارة السومرية سنة 3500 ق.م) و (أزياء مستوحاة من الحضارة الأكدية سنة 2350 ق.م) و (أزياء مستوحاة من الحضارة الأشورية سنة 650 ق.م) و (أزياء مستوحاة من الحضارة الحضر سنة 200 ق.م) مروراً بكل الأزمان وصولاً الي (أزياء فلكلورية تمثل التراث الشعبي العراقي) في امتداد زمني يصنع حضارة تمتد إلي ستة آلاف سنة.
ولعل من المفارقات أن نجد في دار الأزياء العراقية مؤسسة غير ربحية رسالة وأهدافا مختلفة عن باقي دور الأزياء بالعالم، مؤسسة هدفها إظهار القيم الجمالية والفنية في حضارة وتراث العراق والأمة العربية وتجسيدها في تصاميم وأزياء وأقمشة وما شابه ذلك بمختلف الأغراض الثقافية والاجتماعية والإعلامية والصناعية والتجارية، ومن بين أهدافها تقديم الخبرة الفنية والتصاميم للمؤسسات الصناعية والتجارية بهدف تطوير إنتاجها، كذلك تعمل الدار علي تنمية وتعميق تذوق الأفراد لصناعة النسيج والألبسة الوطنية والمساهمة في ترويجها داخل العراق وخارجه، وأيضاً تتبع الدار لتحقيق أهدافها الوسائل العلمية والعملية وتقديم الخدمات الفنية والخبرة الاستشارية في مجال المنسوجات والألبسة ومكملاتها ومستلزماتها، وكانت الدار تقوم بالتعريف بنتاجها بإقامة المعارض وعروض الأزياء وإصدار المطبوعات، وكانت الدار تهتم بالدراسات والبحوث المتخصصة بالتراث العراقي والعربي لما له من علاقة بتصاميم الأزياء، ومن أهدافها أيضاً إنشاء المشاغل الخاصة بإنتاج تصاميم الأزياء الشعبية والتراثية والمعاصرة ذات العلاقة والأزياء الخاصة بأنشطة وزارة الثقافة، وكذلك القيام بتدريب وتأهيل العاملين بمجال التصاميم بما ينمي مهاراتهم وقدرتهم علي التصميم الفني.
لقد قدمت دار الأزياء العراقية الكثير من العروض المميزة والفريدة في مختلف أرجاء العالم فقد اخترقت حدود الوطن آلاف الأميال البعيدة شرقا وغربا، حيث إنها لم تقصر عروضها علي دول معينة، بل قدمت الكثير من العروض في الكثير من الدول المختلفة، وخلال 40 عاما قدمت أكثر من 200 عرض محلي و دولي بدءاً من سنة 1971.
ومن ابرز الدول التي كان لدار الأزياء حضور مميز فيها هي (إيطاليا، بلغاريا، إسبانيا، تركيا، ألمانيا، مصر،الجزائر،فرنسا، سويسرا، اليابان، النمسا، بولندا السنغال،سوريا، الأردن،روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، المملكة المتحدة، الصين،اليونان،فنزويلا، الكويت، تونس، الإمارات العربية المتحدة).
وكانت دار الأزياء العراقية تقدم أكثر من مجرد عرض أزياء جميلة براقة الألوان صاغها فن أصيل، فما تقدمه دار الأزياء العراقية كان أشبه بتظاهرة ثقافية فنية تتألف فيها عناصر كثيرة، تخص التاريخ والفن التشكيلي والمسرح والموسيقي والتراث المستوحي من حضارات سومر وأكد وبابل وأشور والحضر والكوفة والبصرة وبغداد وغيرها عبر آلاف السنين وحتي يومنا هذا حيث يلتقي الماضي بالمستقبل، لذلك فان هذه الدار لم تكن تعتمد فقط علي المصممين المحترفين وإنما اعتمدت علي الكثير من المبدعين من كتاب، عازفين، رسامين، موسيقيين
كمنير بشير، نصير شمه، رائد جورج، جميل حمودي، ليلي العطار وغيرهم من الذين اسهموا بظهورها بهذا الشكل المميز الي العالم.
أما عن واقعها الحالي، فإنها كبقية الدوائر والمؤسسات تعرضت للسلب والنهب، لكنها عاودت نشاطها بعد الأحداث والمتغيرات السياسية التي جرت في العراق عام 2005،حيث تم تأهيل الكادر الحرفي والأيدي العاملة السابقة وتم تأهيلها إلي العمل والإنتاج الفني من جديد وبإدارة السيدة فريال الكليدار التي بدأت العمل علي فكرة جديدة للحرف العربي، حيث صممت وأشرفت علي تنفيذ أكثر من 40 عباءة عربية،لكن هذا المشروع الفني لم يكتمل، وظلت فكرة (الحرف العربي) التي صممتها السيدة فريال الكليدار مجرد رسومات لم نرها علي أرض الواقع.
تلك هي قصة دار الأزياء العراقية... قصة الإبداع التي عبرت عن وطن الحضارات...
وطن البدايات لكل شيء ووطن النهايات لتلك الأشياء... قصة مؤسسة حضارية باقية كلما داهمها الخريف واشتدت عليها المانيا...
قصة إبداع لمؤسسة سقطت مضرجة بأحزانها وهي تبكي بغداد عام 2003 لتنهض بربيع جديد فتاريخها وعزمها مكتوبان بالربيع والخريف، بالنور والنار، بالسيف والقلم، بالعشق والفراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق